الجمعة

مكتوب ~ الرسول يدعو قومه ~ المرحلة 2 الدعوة جهاراً












تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1453
أرسل هذه الصفحة الي صديقBookmark and Share

أول مانزل بهذا الصدد قوله تعالى   وأنذر عشيرتك الأقربين  والسورة التي وقعت فيها الآية _ وهي سورة الشعراء _ ذكرت فيها أولاً قصة موسى عليه السلام من بداية نبوتة إلى هجرته مع بني إسرائيل ونجاتهم من فرعون وقومه وإغراق آل فرعون معه وقد اشتملت هذه القصة على جميع المراحل التي مر بها موسى عليه السلام خلال دعوة فرعون وقومه إلى الله .
   أرى أن هذا التفصيل إنما جئ به حين أمر الرسول بدعوة قومه إلى الله ليكون أمامه وأمام أصحابه نموذجاً لما سيلقونه من التكذيب والإضطهاد حينما يجهرون بالدعوة وليكونوا على بصيرة من أمرهم منذ بداية دعوتهم .
   ومن ناحية أخرى تشتمل هذه السورة على ذكر مآل المكذبين للرسل من قوم نوح وعاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وأصحاب الأيكة _ علاوة ماذكر من أمر فرعون وقومه _ ليعلم الذين سيقومون بالتكذيب بما يؤول إليه أمرهم وبما سيلقون من مؤاخذة الله إن استمروا على التكذيب وليعرف المؤمنون أن حسن العاقبة لهم لا للمكذبين .


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1138
أرسل هذه الصفحة الي صديقBookmark and Share

   وأول ما فعل رسول الله بعد نزول هذه الآية دعا بني هاشم فحضروا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف ، فكانوا خمسة وأربعين رجلاً . فبادره أبو لهب وقال : وهؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصبُاة واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة وأنا أحق من أخذك فحسبك بنو أبيك وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدهم العرب فما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشر مما جئت به ، فسكت رسول الله ولم يتكلم في ذلك المجلس .
   ثم دعاهم ثانية وقال  الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . ثم قال : إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ، وإنها الجنة أبداً أو النار أبداً  فقال أبو طالب : ما أحب إلينا معاونتك وأقبلنا لنصيحتك وأشد تصديقنا لحديثك وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب فامض لما أمرت به . فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب . فقال أبو لهب : هذه والله السوأة ، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم ، فقال أبو طالب : والله لنمنعه ما بقينا .


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1049
أرسل هذه الصفحة الي صديقBookmark and Share

     وبعد ما تأكد النبي من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه ، قام يوماً على الصفا فصرخ : يا صباحاه: فأجتمع إليه بطون قريش ، فدعاهم إلى التوحيد والإيمان برسالته وباليوم الآخر . وقد روى البخاري طرفاً من هذه القصة عن ابن عباس . قال : لما نزلت   وأنذر عشيرتك الأقربين صعد النبي على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر ! يا بني عدي ! لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو ؟ فجاء أبو لهب وقريش . فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقاً ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت   تبت يدا أبي لهب  .
     وروى مسلم طرفا آخر من هذه القصة عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال : لما نزلت هذه الآية   وأنذر عشيرتك الأقربين   دعا رسول اللهفعم وخص . فقال : يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر قريش بني كعب ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة بنت محمد . أنقذي نفسك من النار ، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئاً إلا أن لكم رحماً سأبلها ببلالها .
     هذه النصيحة العالية هي غاية البلاغ فقد أوضح الرسول لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم . وأن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتي من عند الله .


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1074
أرسل هذه الصفحة الي صديقBookmark and Share

   ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى :   فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين  فقام رسول الله يعكر على خرافات الشرك وترهاته ويذكر حقائق الأصنام وما لها من قيمة في الحقيقة ، يضرب بعجزها الأمثال ويبين بالبينات أن من عبدها وجعلها وسيلة بينه وبين الله فهو في ضلال مبين .
   انفجرت مكة بمشاعر الغضب وماجت بالغرابة والاستنكار حين سمعت صوتاً يجهر بتضليل المشركين وعباد الأصنام كأنه صاعقة قصفت السحاب ، فرعدت وبرقت وزلزلت الجو الهادئ وقامت قريش تستعد لحسم هذه الثورة التي اندلعت بغتة ويخشى أن تأتي على تقاليدها وموروثاتها .
   قامت لأنها عرفت أن معنى الإيمان بنفي الألوهية عما سوى الله ومعنى الإيمان بالرسالة وباليوم الآخر هو الانقياد التام والتفويض المطلق ، يحيث لا يبقى لهم خيار في أنفسهم وأموالهم فضلاً عن غيرهم . ومعنى ذلك انتفاء سيادتهم وكبريائهم على العرب التي كانت بالصبغة الدينيه وامتناعهم عن تنفيذ مرضاتهم أمام مرضاة الله ورسوله وامتناعهم عن المظالم التي كانوا يفترونها على الأوساط السافلة ، وعن السيئات التي كانا يجترحونها صباح مساء . عرفوا هذا المعنى فكانت نفوسهم تأبى عن قبول هذا الوضع المخزي لا لكرامة وخير   بل يريد الإنسان ليفجر أمامه 
   عرفوا كل ذلك جيداً ولكن ماذا سيفعلون أما رجل صادق أمين ، أعلى مثل للقيم البشرية ولمكارم الأخلاق ، لم يعرفوا له نظيراً ولا مثيلاً خلال فترة طويلة من تاريخ الآباء والأقوام ؟ ماذا سيفعلون ؟ تحيروا في ذلك وحق لهم أن يتحيروا..... وبعد إدارة فكرتهم لم يجدوا سبيلاً إلا أن يأتوا إلى عمه أبي طالب ، فيطلبوا منه أن يكف ابن أخيه عما هو فيه ، ورأوا لإلباس طلبهم لباس الجد والحقيقة أن يقولوا : إن الدعوة إلى ترك آلهتهم ، والقول بعدم نفعها وقدرتها سبة قبيحة وإهانة شديدة لها ، وفيه تسفيه وتضليل لآبائهم الذين كانوا على الدين ، وجدوا هذا السبيل فتسارعوا إلى سلوكها


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال973
أرسل هذه الصفحة الي صديقBookmark and Share

    قال ابن إسحاق : مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا فإما ان تكفه عنا، وإما تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل مانحن عليه من خلافه ، فنكفيكه .
   فقال لهم أبو طالب قولاً رقيقاً وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه ومضى رسو الله على ماهو عليه ، يظهر دين الله ، ويدعوا إليه .



تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1148
أرسل هذه الصفحة الي صديقBookmark and Share

  وخلال هذه الأيام أهم قريشاً أمر آخر وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إلا أشهر معدودة حتى قرب موسم الحج ، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب في شأن محمد حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب ، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة ، فقال لهم الوليد : أجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً ، قالوا : فأنت فقل ، قال : بل أنتم فقولوا أسمع . قالوا : نقول : كاهن . قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان ، فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ، قالوا : فنقول : مجنون. قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته . قالوا : فنقول شاعر، قال : ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطة ، فما هو بالشعر، قالوا : فنقول : ساحر. قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم . قالوا: فما نقول ؟ قال : والله أن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن رفعه لجناة ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا : ساحر جاء بقول سحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عنه بذلك .
   وتفيد بعض الروايات أن الوليد لما رد عليهم كل ما عرضوا له ، قالوا : أرنا رأيك الذي لا غضاضة فيه ، فقال لهم : أمهلوني حتى أفكر في ذلك فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم رأيه الذي ذكر آنفاً .
   وفي الوليد أنزل الله ست عشرة آية من سورة المدثر ( من 11 إلى 16) وفي خلالها صور كيفية تفكيره ، فقال تعالى  إنه فكر وقدر . فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر . ثم نظر. ثم عبس وبسر . ثم أدبر واستكبر . فقال إن هذا إلا سحر يؤثر . إن هذا إلا قول البشر  .
   وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه فجلسوا بسبل الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره .
   والذي تولى كبر ذلك هو أبو لهب ، فقد كان رسول الله يتبع الناس إذا وافى الموسم في منازلهم وفي عكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى الله ، وأبو لهب وراءه يقول : لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب .
   وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها .


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1099
أرسل هذه الصفحة الي صديقBookmark and Share

  ولما رأت قريش أن محمداً  لا يصرفه عن دعوته هذا ولا ذاك . فكروا مرة أخرى واختاروا لقمع هذه الدعوة أساليب تتلخص فيما يأتي :
   1 _  السخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب والتضحيك ، قصدوا بها تخذيل المسلمين وتوهين قواهم المعنوية فرموا النبي بتهم هازلة وشتائم سفيهة فكانوا ينادونه بالمجنون   وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ   ويصمونه بالسحر والكذب  وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ   وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة وعواطف منفعلة هائجة  وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون  وكان إذا جلس وحول المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا : هؤلاء جلساؤه  منّ الله عليهم من بيننا  وقال تعالى  أليس الله بأعلم بالشاكرين  وكانوا كما قص الله علينا  إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . وإذا مروا بهم يتغامزون . وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون . وما أرسلوا عليهم حافظين 
   2 _  تشويه تعاليمه وإثارة الشبهات ، وبث الدعايات الكاذبة ونشر الإيرادات الواهية حول هذه التعاليم وحول ذاته وشخصيته والإكثار من كل ذلك بحيث لا يبقى للعامة مجال في تدبر دعوته ، فكانوا يقولون عن القرآن  أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً } وقال  إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون  وكانو يقولون إنما يعلمه بشر  يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم  ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق  وفي القرآن نماذج كثيرة للردود على إيراداتهم بعد نقلها أو من غير نقلها .
   3 _  معارضة القرآن بأساطير الأولين وتشغيل الناس بها عنه فقد ذكروا أن النضر ابن الحارث قال مرة لقريش : يا معشر قريش ! والله لقد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد . قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر . لا والله ما هو بساحر . لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم : كاهن . لا والله ما هو بكاهن . قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم وقلتم : شاعر . لا والله ما هو بشاعر ، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه ، وقلتم مجنون . لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ، ولا تخليطه يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .
   ثم ذهب النضر إلى الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وأسفنديار فكان إذا جلس وسلم مجلساً للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ، ويقول : والله ما محمد بأحسن حديثاً مني ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار ثم يقول : بماذا محمد أحسن مني حديثاً مني .
   وتفيد روايه ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قينات فكان لا يسمع برجل مال إلى النبي إلا سلط عليه واحدة منها تطعمه وتسقيه وتغني له حتى لا يبقى له ميل إلى الإسلام ، وفيه نزل قوله تعالى  ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله  .
   4 _  مساومات حاولوا بها أن يلتقي الإسلام بالجاهلية في منتصف الطريق بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه ويترك النبي بعض ما هو عليه قال تعالى  ودوا لو تدهن فيدهنون  فهناك رواية رواها ابن جرير والطبراني تفيد أن المشركين عرضوا على رسول الله أن يعبد آلهتهم عاماً ويعبدون ربه عاماً ورواية أخرى لعبد بن حميد تفيد أنهم قالوا : لو قبلت آلهتنا نعبد إلهك .. وروى ابن إسحاق بسنده قال : اعترضرسول الله _ وهو يطوف بالكعبة الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمي _ وكانوا ذوي أسنان في قومهم _ فقالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه ، فأنزل الله تعالى فيهم  قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون وحسم الله مفاوضتهم المضحكة بهذه المفاصلة الجازمة .. ولعل اختلاف الروايات لأجل أنهم حاولوا هذه المساومة مرة بعد أخرى .



تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال978
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

 وكان أبو جهل يجئ أحياناً إلى رسول الله يسمع منه القرآن ، ثم يذهب عنه فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدب ولا يخشى ويؤذي رسول الله بالقول ويصد عن سبيل الله ثم يذهب مختالاً بما يفعل فخوراً بما ارتكب من الشر ، كأنما فعل شيئاً يذكر ، وفيه نزل  فلا صدق ولا صلى  إلخ .. وكان يمنع النبي عن الصلاة منذ أول يوم رآه يصلي في الحرم ، ومرة مر به وهو يصلي عند المقام فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا ، وتوعده فأغلظ له رسول الله وانتهره . فقال : يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً . فأنزل   فليدع ناديه  وفي رواية أن النبي أخذ بخناقة ، وهزه وهو يقول له :  أولى لك فأولى . ثم أولى لك فأولى  فقال عدو الله : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئاً وإني لأعز من مشى بين جبليها .
   ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا الانتهار بل ازداد شقاوة فيما بعد .
   أخرج مسلم عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ! فقال : واللات والعزى ، لئن رأيته لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه ، فأتى رسول الله وهو يصلي ، زعم ليطأ رقبته ، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، فقالوا : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهؤلاء أجنحة ، فقال رسول الله : لو دنا مني لا ختطفته الملائكة عضواً عضواً .
   كانت هذه الاعتداءات بالنسبة إلى النبي مع ما لشخصيته الفذة من وقار وجلال في نفوس العامة والخاصة ، ومع ما له من منعة أبي طالب أعظم رجل محترم في مكة ، أما بالنسبة إلى المسلمين - ولا سيما الضعفاء منهم - فإن الإجراءات كانت أقسى من ذلك وأمر ، ففي نفس الوقت قامت كل قبيلة تعذب من دان منها بالإسلام أنواعاً من التعذيب ، ومن لم يكن له قبيلة فأجرت عليهم الأوباش والسادات ألواناً من الاضطهاد ، يفزع من ذكرها قلب الحليم .
   كان أبو جهل إذا سمع برجل أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه ، و أوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال ، والجاه ، وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به .
   وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من أوراق النخيل ثم يدخنه من تحته .. ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه أجاعته وأخرجته من بيته ، وكان من أنعم الناس عيشاً فتخشف جلده تخشف الحية .
   وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي ، فكان أمية يضع في عنقه حبلاً ، ثم يسلمه إلى الصبيان ، يطوفون به في جبال مكة ، حتى كان يظهر أثر الحبل في عنقه ، وكان أمية يشده شداً ثم يضربه بالعصا ، وكان يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس ، كما كان يكرهه على الجوع ، وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه في بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول : لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ، وتعبد اللات والعزى . فيقول - وهو في ذلك - أحد ، أحد ، حتى مر به أبو بكر يوماً وهم يصنعون ذلك به ، فاشتراه بغلام أسود ، وقيل بسبع أواق أو بخمس من الفضة وأعتقه . وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم ، أسلم هو وأبوه وأمه ، فكان المشركون - وعلى رأسهم أبو جهل - يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها . ومر بهم النبي وهم يعذبون فقال : صبراً آل ياسر ! فإن موعدكم الجنة ، فمات ياسر في العذاب ، وطعن أبو جهل سمية _ أم عمار _ في قلبها بحربة فماتت ، وهي أول شهيدة في الإسلام ، وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة ، وبوضع الصخر أحمر على صدره أخرى ، وبالتغريق أخرى . وقالوا : لانتركك حتى تسب محمداً ، أو تقول : في اللات والعزى خيراً ، فوافقهم على ذلك مكرهاً ، وجاء باكياً معتذراً إلى النبي ، فأنزل الله  من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان 
   وكان أبو فكيهة _ واسمه أفلح _ مولى لبني عبد الدار ، فكانوا يشدون برجله الحبل ، ثم يجرونه على الأرض .
   وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سباع الخزاعية ، فكان المشركون يذيقونه أنواعاً من التنكيل ، يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذباً ، ويلوون عنقه تلوية عنيفة وأضجعوه مرات عديدة على فهام ملتهبة ، ثم وضعوا عليه حجراً ، حتى لا يستطيع أن يقوم .

   وكانت زنيرة والنهدية وابنتها وأم عيسى إماء أسلمن  وكان المشركون يسومونهن من العذاب أمثال ما ذكرنا . واسلمت جارية لبني مؤمل _ وهم حي من بني عدي _ فكان عمر بن الخطاب _ وهو يومئذ مشرك _ يضربها حتى إذا مل قال : إني لم اترك إلا ملالة .
   وابتاع أبو بكر هذه الجواري فأعتقهن  كما أعتق بلالاً  وعامر بن فهيرة  وكان المشركون يلفون بعض الصحابة في إهاب الإبل والبقر ثم يلقونه في حر الرمضاء  ويلبسون بعضاً أخر درعاً من الحديد ثم يلقونه على صخرة ملتهبه .. وقائمة المعذبين في الله طويلة جداً فما من أحد علموا بإسلامه إلا تصدوا له وآذوه .



تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1013
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

   كان من الحكمة تلقاء هذه الاضطهادات أن يمنع رسول الله المسلمين عن إعلان إسلامهم قولاً أو فعلاً وأن يجتمع بهم إلا سراً لأنه إذا اجتمع بهم علناً فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين بل وقع ذلك فعلاً  في السنة الرابعة من النبوة ، وذلك أن ا صحاب رسول الله كانوا يجتمعون في الشعاب فيصلون فيهم سراً فرآهم نفر من كفار قريش فسبوهم وقاتلوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً فسال دمه وكان أول دم أهريق في الإسلام. 
   ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم فكان من الحكمة الاختفاء فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، أما رسول الله فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين ، لا يصرفه عن ذلك شئ ولكن كان يجتمع مع المسلمين سراً نظراً لصالحهم وصالح الإسلام  وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا . وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فكان أن اتخذها مركزاً لدعوته ، ولا جتماعه بالمسلمين من السنة الخامسة من النبوة .



تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1726
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

   كانت بداية الاضطهادات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة ، بدأت ضعيفة ثم لم تزل يوماً فيوماً وشهراً فشهراً  حتى اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة ، حتى نبا بهم المقام في مكة ، و أوعزتهم أن يفكروا في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم وفي هذه الساعة الضنكة الحالكة نزلت سورة الكهف ، ردوداً على أسئلة أدلى بها المشركون إلى النبي ولكنها اشتملت على ثلاث قصص ، فيها إشارات بليغة من الله تعالى إلى عباده المؤمنين ، فقصة أصحاب الكهف ترشد إلى الهجرة من مراكز الكفر والعدوان حين مخالفة الفتنة على الدين ، متوكـــلاً على الله  وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً .
وقصة الخضر وموسى تفيد أن الظروف لا تجري ولا تنتج حسب الظاهر دائماً ، بل ربما يكون الأمر على عكس كامل بالنسبة إلى الظاهر . ففيها إشارة لطيفة إلى أن الحرب القائمة ضد المسلمين ستنعكس تماماً وسيصادر هؤلاء الطغاة المشركون _ إن لم يؤمنوا _ أمام هؤلاء الضعفاء المدحورين من المسلمين .
   وقصة ذي القرنين تفيد أن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء وأن الفلاح إنما هو في سبيل الإيمان دون الكفر  وأن الله لا يزال يبعث من عباده _ بين آونة وأخرى _ من يقوم بإنجاء الضعفـــــاء من يأجوج ذلك الزمان ومأجوجه وأن الأحق بإرث الأرض  إنما هم عباد الله الصالحون . ثم نزلت سورة الزمر تشير إلى الهجرة وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ، وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب 
   وكان رسول الله قد علم أن أصحمة  النجاشي ملك الحبشة ملك عادل لا يظلــــم عنده أحد فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فراراً بدينهم من الفتن .
   وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة كان مكوناً من اثني عشـــر رجلاً وأربع نسوة ، رئيسهم عثمان بن عفان ومعه السيدة رقية بنت رسول الله وقد قال النبي فيهما : إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام .
   كان رحيل هؤلاء تسللاً في ظلمة الليل _ حتى لا تفطن لهم قريش _ خرجوا إلى البحر ، ويمموا ميناء شعيبة وقيضت لهم الأقدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة وفطنت لهم قريش فخرجت في آثارهم ، لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين وأقام المسلمين في الحبشة في أحسن جوار .
   وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي إلى الحرم ، وهناك جمع كبير من قريش كان فيه ساداتها وكبراؤها فقام فيهم وأخذ يتلوا سورة النجم بغتة ، إن إولئك الكفار لم يكونوا سمعوا كلام الله قبل ذلك ، لأن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضاً ، من قولهم  لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون  فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة ، وقرع آذانهم كلام إلهي رائع خلاب _ لا يحيط بروعته وجلالته البيان _ تفانوا عما هم فيه وبقي كل واحد مصغياً إليه ، لا يخطر بباله شئ سواه حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب ثم قرأ :  فاسجدوا لله واعبدوا ثم سجد لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجداً  وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت  العناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين  فما تمالكوا أن يخروا لله ساجدين .
   وسقط في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لوى زمامهم فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين ، وعند ذلك كذبوا على رسول الله وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم  بكلمة تقدير وأنه قال عنها (( تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن لترتجى ))  جاءوا بهذا الإفك المبين ليعتذروا عن سجودهم مع النبيوليس يستغرب هذا من قوم كانوا يؤلفون الكذب ، ويطيلون الدس والافتراء .
   بلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة ولكن في صورة تختلف تماماً عن صورته الحقيقية ، بلغهم أن قريشاً أسلمت ، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة ،  فلما كانوا دون مكة ساعة نهار وعرفوا جلية الأمر ، رجع منهم من رجع إلى الحبشة ، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفياً ، أو في جوار رجل من قريش .
   ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب  من قريش وسطت بهم عشائرهم  فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار ولم ير رسول اللهبداً من أن يشير على  أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى وكانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها  فقد تيقظت قريش وقررت إحباطها بيد أن المسلمين كانوا أسرع ويسر الله لهم السفر فانحازوا ألى نجاشي الحبشة  قبل أن يدركوا.
   وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً إن كان فيهم عمار فإنه يشك فيه وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة  وبالأول جزم العلامة محمد سليمان المنصور فوري



تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال879
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

   عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمناً  لأنفسهم ودينهم ، فاختاروا رجلين جلديين لبيبين وهما : عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة _ قبل أن يسلما _ وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته وبعد أن ساق الرجلا تلك الهدايا إلى البطارقة وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون ، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم حضرا إلى النجاشي ، وقدما له الهدايا ثم كلماه فقالا له :
   أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم ، لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيـــــناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه .
   وقالت البطارقة : صدقاً أيها الملك فأسلمهم إليهما ، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم . ولكن رأى النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية  وسماع أطرافها جميعاً ، فأرسل إلى المسلمين ودعاهم فحضروا وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائناً من كان  . فقال لهم النجاشي : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني  ولا دين أحد من هذه الملل ؟
   قال جعفر بن أبي طالب _ وكان هو المتكلم عن المسلمين _ أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل منا القوي الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانه ، وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً  وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام _ فعدد عليه أمور الأسلام _ فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ماجاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئاً وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا  وفتنونا عن ديننا  ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ماكنا نستحل من الخبائث ،  فلما قهرونا وظلمونا  وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .
   فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شئ ؟ فقال له جعفر : نعم ! فقال له النجاشي : فاقرأه علي ، فقرأ عليه صدراً من  كهيعص  فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال لهم النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا ، فلا والله أسلمهم إليكما ولا يكادون _ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه _ فخرجا ، وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن ربيعة : والله لآتينهم غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم ، فقال له عبد الله بن ربيعة : لا تفعل ، فإن لهم ارحاماً وإن كانوا قد خالفونا ، ولكن أصر عمرو على رأيه .
   فلما كان الغد قال للنجاشي : أيها الملك ! إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً فأرسل إليهم النجاشي  يسألهم عن قولهم في المسيح ، ففزعوا ، ولكن اجمعوا على الصدق كائناً من كان ، فلما دخلوا عليه ، وسألهم قال له جعفر : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .
   فأخذ النجاشي عوداً من الأرض ثم قال : والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود ، فتناخرت بطارقته ، فقال : وإن نخرتم والله .
   ثم قال للمسلمين : اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي _ والشيوم : الآمنون بلسان الحبشة _ من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، ما أحب أن لي دبراً من ذهب وأنى آذيت رجلاً منكم _ والدبر الجبل بلسان الحبشة .
   ثم قال لحاشيته ردّوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه .
   قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة : فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءوا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار .
   هذه رواية ابن إسحاق وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر ، وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين لكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وجعفر في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها إبن اسحاق تقريباً ، ثم إن الأسئلة تدل لفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي .
   أخفقت حيلة المشركين ، وفشلت مكيدتهم وعرفوا أنهم لا يشيعون ضغينتهم إلا في حدود سلطانهم ونشأت فيهم من أجل ذلك فكرة رهيبة . رأوا أن التفصي عن هذه (( الداهية )) لا يمكن إلا بكف رسول الله عن دعوته تماماً ، وإلا فبإعدامه ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك وأبو طالب يحوطه ويحول بينه وبينهم ؟ رأوا أن يواجهوا أبا طالب في هذا الصدد.


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال880
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

  جاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا . وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين .
   عظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد ، فبعث إلى رسول الله وقال له : يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، فأبق عليّ وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله أن عمه خاذله وأنه ضعُف عن نصرته ، فقال : يا عم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر _ حتى يظهره الله أو أهلك فيه _ ما تركته ، ثم استعبر وبكى ، وقام فلما ولى ناداه أبو طالب فلما أقبل قاله له : اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشئ أبداً .. ثم أنشد :


 والله لن يصلـوا إليك بجمعـهم
 فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال905
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

  ولما رأت قريش أن رسول الله ماض في عمله وعرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك فذهبوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة وقالوا له : يا أبا طالب إن هذا الفتى أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولداً فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل ، فقال : والله لبئس ما تسومونني ، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه . هذا والله ما لا يكون أبداً . فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف : والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكره فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً ، فقال : والله ما أنصفتموني ، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ ، فاصنع ما بدا لك .
 

   لا تذكر المصادر التاريخيه زمن هاتين الوفادتين لكن يبدو بعد التأمل في القرائن والشواهد أنهما كانتا في أواسط السنة السادسة من النبوة ، وأن الفصل بين الوفادتين لم يكن إلا يسيراً.
 


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1021
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

  وبعد فشل قريش وخيبتهم في الوفادتين عادوا إلى ضراوتهم وتنكيلهم بأشد مما كان قبل ذلك ، وخلال هذه الأيام نشأت في طغاتهم فكرة إعدامه بطريق أخرى وكانت هذه الفكرة وتلك الضراوة هي التي سببت في تقوية الإسلام ببطلين جليلين من أبطال مكة ، وهما حمزة بن عبدالمطلب ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
   فمن تلك الضراوة أن عتيبة بن أبي لهب أتى يوماً إلى رسول الله فقال : أنا أكفر بـالنجم إذا هوى  و بالذي دنا فتدلى  ثم تسلط عليه بالأذى وشق قميصه وتفل في وجهه إلا أن البزاق لم يقع عليه وحينئذ دعا عليه النبي وقال . اللهم سلط عليه كلباً من كلابك ، وقد استجيب دعاؤه فقد خرج عتيبة مرة في نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام فغدا عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فذبحه .
   ومنها ما ذكر أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفه وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان .
   ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله ما رواه ابن إسحاق في حديث طويل ، قال : قال أبو جهل :
يا معشر قريش إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو أمنعوني فليصنع بعد ذلك بنو بعد مناف ما بدا لهم ، قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبداً فامض لما تريد .
   فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراُ كما وصف ، ثم جلس لرسول الله ينتظره وغدا رسول الله كما كان يغدو فقام يصلي ، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ، ينتظرون ما أبو جهل فاعل ـ فلما سجد رسول الله ، احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه ، حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه ، مرعوباً قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال قريش فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، لا والله ما رأيت مثل هامته ، ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، فهمّ بي أن يأكلني .
   قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله قال : ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه .
   وبعد ذلك فعل أبو جهل برسول الله ما أدى إلى إسلام حمزة رضي الله عنه وسيأتي .
   أما طغاة قريش فلم تزل فكرة إعدام تنضج في قلوبهم ، روى ابن إسحاق عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر ، فذكروا رسول الله ، فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ، فبينا هم كذلك ، إذ طلع رسول الله فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفاً بالبيت ، فغمزوه ببعض القول ، فعرفت ذلك في وجه رسول الله ، فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مرّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال : أتسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته ، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد ، ويقول : انصرف يا أبا القاسم ، فو الله ما كنت جهولاً.
   فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به ، فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه ، وقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه . قال ابن عمرو: فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً نالوا منه قط . انتهى ملخصاً .
   وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت ابن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي  قال : بينا النبي يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟
   وفي حديث أسماء : فأتى الصريخ إلى أبي بكر ، فقال : أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا ، وعليه غدائر أربع ، فخرج وهو يقول : أتقتلون رجلاً أن يقول : ربي الله ؟ فلهوا عنه ، وأقبلوا على أبي بكر ، فرجع إلينا لا نمس شيئاً من غدائره إلا رجع معنا.


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال947
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

 خلال هذا الجو الملبد بسحائب الظلم والطغيان أضاء برق نور للمقهورين طريقهم ألا وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة ، والأغلب أنه أسلم في شهر ذي الحجة .
وسبب إسلامه أن أبا جهل مرّ برسول الله يوما عند الصفا ، فآذاه ونال منه ورسول الله ساكت لا يكلمه ، ثم يضربه أبو جهل بحجر في رأسه فشجه ، حتى نزف منه الدم ، ثم انصرف عنه إلى نادي قريش عند الكعبة ، فجلس معهم ، وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك ، وأقبل حمزة من القنص متوشحاً قوسه ، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل فغضب حمزة _ وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة _ فخرج يسعى ، لم يقف لأحد معداً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به ، فلما دخل المسجد قام على رأسه ، وقال له : يا مصفر استه ، تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة ، فثار رجل بني مخزوم _ حي أبي جهل _ وثار بنو هاشم _ حي حمزة _ فقال : أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحاً .
وكان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل أبى أن يهان مولاه ، ثم شرح الله صدره ، فاستمسك بالعروة الوثقى ، واعتز به المسلمون أيما اعتزاز .


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال1038
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

وخلال هذا الجو الملبد بسحائب الظلم والطغيان أضاء برق آخر أشد بريقاً وإضاءة من الأول ، ألا وهو عمر بن الخطاب ، أسلم في ذي الحجة سنة ست من النبوة بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه . وكان النبي قد دعا الله تعالى لإسلامه ، فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر ، وصححه ، وأخرجه الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبيقال :  اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام  فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه .
   وبعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلامه يبدو أن نزول الإسلام في قلبه كان تدريجاً ، ولكن قبل أن نسوق خلاصتها نرى أن نشير إلى ما كان يتمتع به رضي الله عنه من العواطف والمشاعر .
   كان رضي الله عنه معروفاً بحدة الطبع وقوة الشكيمة ، وطالما لقي المسلمون منه ألوان الأذى ، والظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة ، احترامه للتقاليد التي سنها الآباء والأجداد ، واسترساله مع شهوات السكر واللهو التي ألفها ، ثم إعجابه بصلابة المسلمين واحتمالهم البلاء في سبيل عقيدتهم ، ثم الشكوك التي كانت تساوره _ كأي عاقل _ في أن ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل وأزكى من غيره ، ولهذا ما إن يثور حتى يخور . قاله محمد الغزالي .
   وخلاصة الروايات مع الجمع بينها في إسلامه رضي الله عنه أنه ألتجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته ، فجاء إلى الحرم ، ودخل الكعبة ، والنبي
 قائم يصلي وقد استفتح سورة (( الحاقة )) فجعل عمر يستمع إلى القرآن ويعجب من تأليفه ، قال : فقلت _ أي في نفسي هذا والله شاعر كما قالت قريش ، قال : فقرأ  إنه لقول رسول كريم ، وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون  قال : قلت : كاهن ، قال : ولا بقول كاهن . قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين  إلى آخر السورة .قال فوقع الإسلام في قلبي .. كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه ، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية والعصبية التقليدية ، والتعاظم بدين الآباء هي غالبة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه ، فبقي مجداً في عمله ضد الإسلام ، غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة .
   وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله
 أنه خرج يوماً متوشحاً سيفه يريد القضاء على النبي فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي أو رجل من بني زهرة أو رجل من بني مخزوم فقال : أين تعمد يا عمر ؟ قال : أريد أن أقتل محمداً قال : كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمداً ؟ فقال له عمر : ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه قال أفلا أدلك على العجب ياعمر ! إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه ، فمشى عمر دامراً حتى أتاهما وعندهما خباب بن الأرث معه صحيفة فيها  طه  يقرئهما إياها _ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن _ فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت ، وسترت فاطمة _ أخت عمر _ الصحيفة وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما فلما دخل عليهما قال : ما هذه الهيمنه التي سمعتها عندكم ؟ فقالا : ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما . فقال له ختنه : ياعمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديداً . فجاءت أخته فرفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها _ وفي روايه ابن إسحاق أنه ضربها فشجها _ فقالت _ وهي غضبى _ ياعمر إن كان الحق في غير دينك ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله .
   فلما يئس عمر ، ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحى وقال : أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه ، فقالت أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم با غتسل فقام فأغتسل ثم أخذ الكتاب ، فقرأ : (( بسم الله الرحمن الرحيم )) فقال أسماء طيبة طاهرة ثم قرأ :  طه  حتى انتهى إلى قوله  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي  فقال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ؟ دلوني على محمد .
   فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت ، فقال : أبشر يا عمر ، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول لك ليلة الخميس  اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام  ورسول الله في الدار التي في أصل الصفا .
   فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم انطلق حتى أتى الدار ، فضرب الباب ، فقام رجل ينظر من خلل الباب فرآه متوشحاً السيف ، فأخبر رسول الله
 واستجمع القوم فقال لهم حمزة : مالكم ؟ قالوا : عمر ، فقال : وعمر ، افتحوا له الباب فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له ، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه ، ورسول الله
 داخل يوحى إليه فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة ، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف ثم جبذه جبذة شديدة فقال : أما أنت منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد ين المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . وأسلم فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد .
   كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين بالذلة والهوان ، وكسا المسلمين عزة وشرفاً وسروراً .
   روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال : لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله
 عداوة قال : فقلت : أبو جهل فأتيت حتى ضربت عليه بابه فخرج إليّ وقال : أهلاً وسهلاً ، ما جاء بك ؟ قال : جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد ، وصدقت بما جاء به قال : فضرب الباب في وجهي ، وقال : قبحك الله ، وقبح ما جئت به .
   وذكر ابن الجوزي أن عمر رضي الله عنه قال : كان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال فيضربونه ويضربهم ، فجئت _ أي حين أسلمت _ إلى خالي _ وهو العاصي بن هاشم فأعلمته فدخل البيت ، قال : وذهبت إلى رجل من كبراء قريش _ لعله أبو جهل _ وذكر ابن هشام وكذا ابن الجوزي مختصراً ، أنه لما أسلم أتى إلى جميل بن معمر الجمحي _ وكان أنقل قريش لحديث _ فأخبره أنه أسلم ، فنادى جميل بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صبأ . فقال عمر :_ وهو خلفه _ كذب ولكني قد أسلمت فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم وطلح ، أي عيا عمر فقعد ، وقاموا على رأسه وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا .
   وبعد ذلك زحف المشركون إلى بيته يريدون قتله . روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال : بينما هو _ أي عمر _ في الدار خائفاً إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو وعليه حلة سبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية ، فقال له : مالك ؟ قال : زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت ، قال لا سبيل إليك _ بعد أن قالها أمنت _ فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي ، فقال أين تريدون ؟ فقالوا : هذا ابن الخطاب الذي قد صبأ ، قال : لا سبيل إليه ، فكر الناس وفي لفظ ، في روايه ابن إسحاق : والله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه .
   هذا بالنسبة إلى المشركين ، أما بالنسبة إلى المسلمين ، فروى مجاهد عن ابن عباس قال : سألت عمر بن الخطاب ، لأي شئ سميت الفاروق ؟ قال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام _ قص عليه قصة إسلامه وقال في آخره _ قلت : أي حين أسلمت _ يا رسول الله ! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال بلى ! والذي نفسي بيده إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم ، قال : قلت : ففيم الا ختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن فأخرجناه في صفين ، حمزة في أحدهما ، وأنا في الآخر ، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد قال : فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبه لم يصبهم مثلها ، فسماني رسول الله
 (( ا لفاروق )) يومئذ.
   وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر وعن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه قال : لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعى إليه علانية وجلسنا حول البيت حِلقا وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به .
   وعن عبد الله بن مسعود قال : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال972
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين _ حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما _ أخذت السحائب تنقشع ، وأفاق المشركون عن سكرهم في إدلاء العذاب والنكال إلى المسلمين وحاولوا مساومة مع النبي بإغداق كل ماهو يمكن أن يكون مطلوباً له ، ليكفوه عن دعوته . ولم يكن يدري هؤلاء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دعوته ، فخابوا وفشلوا فيما أرادوا .
   قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيداً قال يوماً وهو في نادي قريش ورسول الله جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد ؟ فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله يكثرون ويزيدون فقالوا : بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه فقام إليه عتبه حتى جلس إلى رسول الله فقال : يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها . فقال : رسول الله : قل أبا الوليد اسمع ، قال : يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه _ أو كما قاله له _ حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله يستمع منه ، قال : قد أفرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني ، قال : أفعل ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم  حم (1) تنزيل من الرحمن الرحيم (2) كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون (3) بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قلوبنا في أكنة مّما تدعونا إليه  ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه ، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما ، يسمع منه ، ثم انتهى رسول الله إلى السجدة منها فسجد ثم قال : قد سمعت أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك . فقام عتبة إلى أصحابة ، فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم .
وفي رواية أخرى أن عتبة استمع حتى جاء الرسول إلى قوله تعالى  فإن أعرضوا فقل : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود  فقام مذعوراً فوضع يده على فم رسول الله يقول : أنشدك الله والرحم ! وذلك مخافة أن يقع النذير ، وقام إلى القوم فقال ما قال.


تحت مجموعةالمرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)
تاريخ اضافة المقالهجري : 04/11/1428     ---     ميلادي : 13/11/2007
تم قراءة المقال939
أرسل هذه الصفحة الي صديقطباعة الصفحةتحميل بصيغة ووردBookmark and Share

  تغير مجرى الظروف وتبدلت الأوضاع والأحوال ، ولكن أبا طالب لم يزل يتوجس من المشركين خيفة على ابن أخيه إنه كان ينظر في الحوادث الماضية _ إن المشركين هددوه بالمنازلة ثم حاولوا مساومة ابن أخيه بعمارة بن الوليد ليقتلوه ، وإن أبا جهل ذهب إلى ابن أخيه بحجر يرضخه ، وإن عقبة بن أبي معيط خنق ابن أخيه بردائه وكاد يقتله ، وإن ابن الخطاب كان قد خرج بالسيف ليقضي على ابن أخيه _ كان أبو طالب يتدبر في هذه الحوادث ويشم منها رائحة شر يرجف له فؤاده ، وتأكد عنده أن المشركين عازمون على إخفار ذمته ، عازمون على قتل ابن أخيه وما يغني حمزة أو عمر أو غيرهما إن انقض أحد المشركين علىابن أخيه بغتة .
تأكد ذلك عند أبي طالب ، ولم يكن إلا حقاً فإنهم كانوا قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله علانية ، وإلى هذا الإجماع إشارة في قوله تعالى  أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون فماذا يفعل أبو طالب إذن .
إنه لما رأى تألب قريش على ابن أخيه قام في أهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ولدي عبد مناف ، ودعاهم إلى ماهو عليه من منع ابن أخيه والقيام دونه فأجابوه إلى ذلك مسلمهم وكافرهم حمية للجوار العربي ، إلا ما كان من أخية أبي لهب ، فإنه فارقهم ، وكان مع قريش .














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق